1- محاولات سبقتْ عهد محمد علي

انطلق الكثير ممن كتبوا عن تاريخ مصر في القرن التاسع عشر من مقَدِّمةٍ مُسلَّم بصحتها، مؤدّاها أن حُكم محمد علي أدْخَل شكلًا جديدًا من الحكومات ونظامًا اقتصاديًا جديدًا، وقد مُجِّد محمد علي باعتباره مُجدِّدًا. لقد عمِل على تحويل مصر إلى دولة عصرية، ولكنه لم يبدأ من صفحةٍ بيضاء؛ فقد كانت هناك سوابق هَدَتْه إلى الطريق الذي يجب أن يسلكه، منها محاولة (علي بك الكبير ) عام 1768م؛ فقد استأجر جيشًا من المرتزَقة وقتل كل منافسيه المحتملين كـ(شيخ العرب همام )، ونفى أعيانه وفرّق جمعهم في القُري، وسيطر على ثروات البلاد من خلال النهب وفرْض مزيدًا من الضرائب، وكذلك تأسيس حكومة مركزية تفرض القانون وتشجّع التجارة والتبادل التجاري، وقام باستخدام التجار الشّوَام المسيحيين ليحِلّوا محلّ التجار المسلمين ليساعدوهم في احتلال البلاد.

وما أن خلف (علي بك الكبير) حكامه الضعفاء حتى حلّتْ الفوضى بالبلاد وقامت حركات التمرّد والعصيان، حتى كان الناس ينظرون وراءهم إلى أيام (علي بك الكبير ) بحنين إلى الماضي مقارنةً بأحوالهم الحاضرة.

ومن المحاولات التي سبقتْ محمد علي، الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م؛ فقد كان الهدف الحقيقي من الحملة تُجاريًّا؛ فنابليون كان على علمٍ تام بثروات مصر الكامنة من موارد زراعية ومواد خام، وقد سعى لتعديل نظام الضرائب وكذلك نظام المِلْكية، وهو ما لم يتحقّق مُطلقًا لِقِصَر مدة إقامة الحملة؛ لذا فإن عبقرية محمد علي تكمن في أنه تعلّم من أخطاء سابقيه، وأنه جمع أفكارهم وحوّلها إلى برنامج مترابط. لقد صنعت مصر محمد علي، تمامًا كما ساعد هو مصر على أن تسترد عافيتها من حالتها الميئوس منها.

2- محمد علي الرجل

وُلد محمد علي في "قونية " ، واختُلف في تاريخ مولده؛ فلقد ادّعَي الباشا أنه وُلد في عام 1769م وهو العام الذي وُلد فيه نابليون، ولقد ادّعَي ذلك ليُشارك رجلًا أُعْجب به تاريخَ مولده، ولكن التاريخ الصحيح هو عام 1770م، وقد ادّعَي اليُتْم أيضًا مع أنَّ والده مات عندما بلغ الباشا عشرين عامًا، والسبب الذي دَفَعَه لذلك الادِّعاء غير معروف، فربما فعل ذلك ليُعلِي قدر نفسه باعتباره رجلا عصاميًّا ارتفع إلى المجد، وربما ادّعَي ذلك من أجل أولاده ليُظهر التباين بين ظروفهم وظروفه، وفي سن السابعة عشرة تزوج الباشا من "أمينة " وهي الزوجة الشرعية الوحيدة للوالي، ومنها أنجب (إبراهيم وأحمد طوسون وإسماعيل كامل وتوحيدة ونازلي )، ولكن محمد علي كان له ثماني أو عشر سراري، فكان أبًا لسبعة عشر ولدًا وثلاث عشرة بنتًا.

وقدِم محمد على إلى مصر ضمن الكتيبة الألبانية في الجيش العثماني لمواجهة الحملة الفرنسية كجندي عادي، ولكن سرعان ما وصل لمركز القمّة في فرقته القادمة من "قولة "، وبعدها بفترة وجيزة ترقَّي بسرعةٍ في مختلف الرُّتَب حتى أصبح الرجل الثاني في قيادة القوة الألبانية كلها، ووصلتْ القوات العثمانية والانجليزية إلى مصر في 8 مارس 1801م، وفي 27 يونيو سقطتْ القاهرة، وبعدها بأسبوع غادرتْ القوات الفرنسية، وبقي في مصر العثمانيون منقسمين إلى أتراك وألبان، والمماليك منقسمين إلى طائفتين: واحدة بقيادة (الألفي بك ) ، والثانية بقيادة (إبراهيم بك ) الذي سلّم القيادة للبرديسي باشا نظرًا لكبر سنّه.

3- اشتعال الساحة السياسية وانتهازية محمد علي

4- صعوبات واجهت محمد علي في بداية الحُكْم

5- أحلام محمد علي التوَسُّعيّة

6- مغامرات محمد علي العسكرية

7- في الأعقاب